منذ قيام ثورة 14 جانفي في تونس تراوح النشاط الجمعياتي الأمازيغي بين المد و الجزر فكان يشهد طفرة بين الحين و الآخر و ركودا في أحيان كثيرة، و لكن ذلك لم يمنع ظهور نشاط جاد لعدد من الجمعيات و من الأفراد الذين راهنوا على التعريف المتواصل بالقضية الأمازيغية فكانوا -جمعيات و أفرادا-لا يدخرون جهدا لنفض الغبار عن الهوية الأمازيغية و دون أن يجعلوا من ذلك عنوانا للمناسبات الإحتفالية و يافطة مثيرة و مفضوحة لتلميع صورهم. صحيح أن عدد هذه الجمعيات و هؤلاء الأفراد محدود ـمقارنة بمجموع الناشطين في هذا المجال -و لكن ثبت بالكاشف أن كلمتهم صارت عالية و منتشرة في الآفاق و قد برهنوا على نضالية لا تتوقف لأن تناولهم لعمق القضية كان قويا و صادقا و تجنبوا -في المقابل-الإعتماد على فولكلور سهل لتأثيث التظاهرات و ما شابهها فكان عملهم هذا ذا أبعاد زاخرة بالقيم النبيلة و المعاني السامية و أضحت الأضواء مسلطة عليهم بغير طلب منهم لأن ما قدموه و يقدمونه يلخص الدور الحقيقي الذي يجب أن يضطلع به الناشطون في الحقل الجمعياتي. و لعل أحد الأمثلة الجيدة يأتينا من التظاهرة الضخمة التي أقامتها المكتبة العمومية بالمحمدية (في ضواحي العاصمة تونس) و كان ذلك يوم 23 فيفري 2018 حيث نظمت إحتفالا واسعا باليوم العالمي للغة الأم دعت له ثلة من الأساتذة المحاضرين البارزين و ذلك في ندوة فكرية ثرية تمحورت حول اللغة و الثقافة الأمازيغيتين هذا بالإضافة إلى عروض مسرحية في الغرض ذاته و ورشات لتعليم الأمازيغية، و بما أني ناشطة أمازيغية فقد حرصت كل الحرص على الإرتقاء بهذه التظاهرة إلى مستوى الإنتظارات و سعيت للإبتعاد بها عن الإحتفاء الفلوكلوري الذي صار يتكرر بالأسلوب نفسه في جل المناسبات مما أفقده كل رونق، و لشديد الأسف فقد بذلت قلة محسوبة على النشاط الجمعياتي الأمازيغي ما بوسعها لإفساد ندوتنا تلك و لكنها خابت و لم تبلغ ما خططت له،و الأكيد أن الندوة الفكرية شكلت صدمة لتلك القلة و هي تعودت اذانها على ضربات الطبل و النفخ في المزمار و تنادي بطونها للغرض في أطباق الكسكسي و تلك هي فقط "عناصر نصرة القضية الأمازيغية" في اعتقادها البسيط. إن قضيتنا أكبر من هذا بكثير و هي في حاجة إلى النضال اليومي و الواعي، و قد عاهدت وجداني و قلمي و كافة قواي على أن أظل في خدمة قضيتنا المركزية و ألا أنحرف عن المسار النضالي الصحيح، و الصادقون في هذا المسار موجودون و بعزيمتهم الصلبة سيخرجون هويتنا من قمقم التهميش و التغييب و دون أن ينغمسوا في لعبة الفتنة المكشوفة التي يحيك خيوطها من تفهوا قضيتنا- بوعيهم المتدني-و لم يدركوا بتاتا أن سوء الأخذ بناصية الأمور ينعكس سلبا على القضية ككل".
سميرة بن حسن /
شاعرة و ناشطة أمازيغية تونسية