المرأة الأمازيغية التي هي عماد المجتمع الامازيغي منذ قدم التاريخ ٠ فيحدثنا المؤرخون عن ظاهرة تاريخية في المجتمع الليبي القديم في عصر ما قبل التاريخ و العصور الكلاسيكية ٠ ظاهرة لا مثيل لها في أي مجتمع أخر تؤكد مكانة المرأة الأم في حياة المجتمع الأمازيغي إنها ” مجتمع الأم ” أو ” المجتمع الامومي ” ٠
فلقد كانت للمرأة السيطرة و السلطة في المجتمع الليبي ٠ فنرى وفرة البطلات الأسطوريات والزعامات الأنثوية في التاريخ الأمازيغي ٠ كالمعبودة الرئيسية في ليبيا الوثنية كانت ” نيت ” ٠ و قائدة الأمازونات الملكة ” مورينا ” و ” ميدوسا ” الغرغونية ٠ و الملكة ” تن – ضان ” التارگية ٠ و الكاهنة ” داهية ” ٠
وها هي إسبوتي إحد هذه الأسماء التي ورد إسمها في أطول ملحمة للأدب اللاتيني للشاعر ” سيليوس ايتاكلوس ” التي تتحدث عن الحروب البونيقية الثلاث التي اشعل فتيلها فتى قرطاج العبقري هانيبال في سنة 219 قبل ميلاد سيدنا المسيح ٠
ملحمة ” punica ” التي تتألف من أكثر من 12000 بيت كتبها الشاعر المتوفي سنة 101 بعد الميلاد وهذه الجزئية التي تتحدث عن بطلتنا الأمازيغية ” أسبوتي ” .
يقول سيليوس ايتاكلوس واصفا قومهاالليبيين و نسبها و نسب أبيها و حكمه :
“” كانت ابنة هيابارس القرمنتي و هو كان ابن امون يحكم بسلطة نافذه كهوف ميدوسا ابنه فوركوس ,, , و المكاي القاطنين بجوار نهر كينوبو القورينيين من تلهبهم الشمس اللافحة , كان يطيعه النسامونيون رعيته بالوراثة و الغايتولي الراكبون خيولهم دون عنان , و قد بنى بالحورية تريتونس و منها رزق بالاميرة ….. “”
وفي وصفه للأميرة العذراء يقول :
“” كانت عذراء متوحدة , قضت بواكير سنينها و هي تصيد في الغابات , لم تنعم يدها سلة للصوف أبدا , ولم يشغلها المغزل قط ….. “”
ويصفها في مقطع موالي و هي في زي الحرب قائلا :
“” في ثيابها الوطنية برزت , و شعرها الطويل مشبك بهبة من حوريات الهسبرديس , و ثديها الأيمن عار استعدادا للمعركة , يلمع درعها على ساعدها الايسر , و ترس الامزونات يحميها عند القتال , و استحثت عربتها المرسلة للدخان بسرعة رهيبة… “”
يصف لنا الشاعر أجزاء من معركة دارت بين أسبوتي وموبسوس ” صاحب ادق قوس و والد دورولاس و ايكاروس :
” قذفت بأسلحتها مرة بعد مرة , بيد أن موبسوس العجوز كان يصدها و يرسل على عجل من فوق الأسوار السامقة باسهم كريتية من قوسه الرنانة , و يدفع في السماء الصافية بجراح قاتلة من الفولاذ المجنح , كان كريتيا أبحر من كهوف الكوريتوس مجلجلي النحاس , و يوم كان فتى رشيقا كانت عادته أن يضرب اجنحة طائر الدكتي بالسهام المريشة ويا طلما الطائر الحوام من عليائه , كان بإمكانه أن يسقط الوعل المفلت من الشباك على مد السهل …. “”
وهنا تأتي أجمل أجزاء الملحمة , المعركة النهاية , اسبوتي المقاتلة , تضحية رفيقتها ” هاربي ” بحياتها و موت موبسوس و أبنائه :
“” أدار عينيه و سلاحه صوب وجه أسبوتي و دعا جوبيتير بيد أن دعائه لم يلاقس قبولا لدى الرب الذي هجره , اذ ما أن رأت هاربي العذراء النسامونية القوس القاتل مصوبا حتى القت بنفسها في طريق الخطر , و من بعيد تلقت الضربة القاضية , فقد ضرب السهم الطائر فمها المفتوح عندما صرخت و اخترقه , و رأت اخواتها رأس السهم مخترقا ظهرها ….. “”
“” أهاج أسبوتي وقوع رفيقتها .. فرفعت الجسد المكب وبللت بدومعها العينين الغابرتين , وقد فارقهما النور , ثم أرسلت بكل ما في الأسى من قوة رمحها القاتل نحو اسوار المدينة فطار و اخترق بضربة مباغتة كتف دورولاس فيما كان يجاهد لأن يرسل الفولاذ في الهواء بإصبع رخي , فتقابل طرفا لاقوس و ملا السهم الفراغ الباقي الذي تركه الوتر المشدود , تم سقط على ام رأسه يهوي من فوق الأبراج العالية و تناثرت الى جانب جسده الساقط السهام من جعبته من غير انتظام …. “”
“” هاج أخوه ” ايكاروس ” الشاك السلاح مثله واقفا جانبه, بصيحة عالية طالبا الثأر لهذه الميتة المفجعة , لكن ما أن اعد سلاحه على عجل للمعركة , حتى طوح ” هانيبال ” بحجر عظيم و أوقفه بكتلة الدوامة , فانحلت أطرافه و تجمدت , و ارجعت يده الفاشلة الى الجعبة بأسهمها … “”
“” فلما رآى ابنيه الإثنين مجندلين , أمسك بقوسه وفي حزنه و ثورته , وشدها ثلاث مرات , و ثلاث مرات و كانت يده تفشل , و الفشل يسلبه حذقه المعهود , و الندم يأكله عل فراق الأرض التي أحب , بعد فوات الأوان , وا أسفاه .. فالتقط بحمية الحجر الذي صرع ” ايكاروس ” وحين احس الشيخ انه لا جدوى من ضرباته الواهنة على صدره , و عرف ان يده لن تعينه على الموت لينهى اساه المرير رمى بنفسه يهوي من قمة البرج الكبير , فسقط ثقيلا و ألقى بأطرافه و هو يحتضر … “”
هنا يأتي دور جيش ” ثيرون “” حارس هيكل هرقل الذي حرض الجنود ووضع هدفه الأول ” إسبوتي ” وكان له ما أراد , هنا يصف لنا الشاعر “ثيرون” قاتل إسبوتي قائلا :
“” لم يكن يحمل رمحا في يده , و لا خوذة على رأسه , و لكنه كان يجندل الأعداء بهرواة معتمدا على منكبيه العريضين و قوته الفتية , غير ملتمس سيفا , كان يعلو هامثه جلد ليث منزوع , وقد ارتفع الفم المرعب فوق قامته المديدة , و على ذراعه حمل مائة حية , …. “”
“” فطمح إلى عربة إسبوتي و عبائتها الساطعة التي تكسوها , و ترسها اللامع المجوهر , وكان فكره كله مثبتا على العذراء المحاربة ..
عندما رأته الأميرة مندفعابهراوته الملطخة بالدماء , امالت جيادها جانبا و تفاذته بالانحراف يسارا , لتشق السهل و تحلق كالطير في ميدان القتال المنحدر مولية اياه ظهر عربتها , و كانت العجلات و هي تتوارى عن بصره , و سنابك خيولها , الراكضة أسرع من الريح , تثير سحابة من الغبار على الميدان , تحطم الصفوف المقابلة ذات اليمين و ذات الشمال , و العذراء ترسل عليهم و هم في اضطرابهم بالرمح إثر السهم …. “”
“” قفلت إسبوتي مرة أخرى الى الميدان حين رأت ثيرون منهمكا في المعمعة , فصوبت فاس قتالها البتار الى منتصف جبينه , و هي تنذر لديانا غنيمة فاخرة منه , ولم يتراجع ثيرون ……. “”
ويصف الشاعر النهاية الشجاعى لإسبوتي قائلا :
“” جنت الخيول بخوف لم تشعر به من قبل , الخوف من الفكين المفغورين المنذرين فأربكت العربة الثقيلة و قلبتها , حاولت إسبوتي ان تفلت من القتال , فقفز ثيرون ليمنعها , و ضربها بين صدغيها فلطخ العجلات البارقة و الأعنة ,وقد اربكتها الخيال الفزعة , برشاش الدماغ المتفجر من الجمجمة المحطمة , ثم أمسك بفأسها
وحز رأسها حين تدخرجت الفتاة خارج العربة , رغبة في أن يعلن قتله إياها , ول متهدأ سورة هياجه بعد , فثبت رأسها على رمح رفيع ليبصره الجميع , و أمر رجاله بأن يحملوها أمام الجيش البوني كله و ان يسوقو العربة الى المدينة في عجل “”
وكان أن ثأر هانيبال للأميرة بأن غزل القلعة و أسقطها على من فيها محطما صورة البطل ثيرون الذي لاذ بالفرار اما الفاتح المغوار , و يصف الشاعر ثأر هانيبال قائلا :
“” لكن هانيبال كان مسرعا سرعة خارقة نحو الأسوار , في خين عم الخوف المحصورين يرتعدون , و حين رأى حارس معبد هرقل الجسور قفز قدما و سبق عدوه , تدفعه الى السرعة مخاوفه …. “”
“” فازداد غضب القائد الصوري اشتعالا و صاح ” انت يا بواب المدينة المعتبر ستعاني المنية , اولا على يدي , و بموتك ستفتح الأسوار ! .. و منعه الهياج من أن يصل كلامه , و شرع يدير حسامه الساطع , غير أن المقاتل الساغنوتي كان امامه , فهز هراوته بقوة هائلة ورمى بها هانيبال .. “”
“” صلصل زرد هانيبال بصوت أجوف تحت وقع الضربة المهولة , و تراجعت الهلروة الثقيلة ذات العقد في الهواء بعد ان اصطدمت بالحديد المفرغ … “”
“” فلما فقد ثيرون سلاحه و خانته ضربته المخفقة أطلق ساقيه للرياح , و ركض حول الأسوار طالبا بسرعة النجاة , فتعقب الغالب دبر الهارب بشدة معيرا اياه , و علا صراخ النسوة في صوت واحد , و ارتفعت أصواتهن و عويلهن من قمة السور السامقة .. كن ينادون ثيرون تارة باسمه المعروف , و تارة كن يتمنين لو يملكن القوة ليفتحن له الباب في ساعة ضيقه , بيد أن افئدتهن وهن يحرضنه كان يرجها الخوف من السماح لعدوهن الجبار أن يدخل معه الاسوار … “”
“” ضرب هانيبال المدبر المنهك بدرعه ووثب فوقه حين وقع و قال وهو يشير الى أهله الذين كانو يراقبون من الأسوار :
( فلتمض و لترح اسبوتي العاثرة بموتك العاجل ! )
و دفن في الوقت نفسه سيفه الماضي في حلق ضحية كانت تتحرق شوقا لإسلام روحها ثم ساق الغالب يغمره الحبور الجياد التي أخذت من أسبوتي جارا اياها من أمام الأسوار ذاتها حيث سد بها المدبرون مدخل الباب , و انطلق بالعربة مخترقا الصفوف المنتصرة … .
منقول : موقع توالت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق