تصريح والي "جهة طنجة تطوان الحسيمة" السيد محمد اليعقوبي ل "فرانس بريس" يلخصه المثل الدارجي الذي يقول "ضربني وبكا.. سبق لي وشكا".
لا أعتقد أن أعلى ممثل "السلطة" و"الدولة" و"الملك" في الريف يجهل ما يحدث على أرض الواقع، ولا أعتقد أن تصريح "اليعقوبي" إستنتجه هو بشكل شخصي من خلال جولاته بالريف، بل أن جد متأكد بان تصريحه هو تصريح الهدف منه تصريف موقف رسمي خطط له "مهندسي سياسة المخزن بالريف من الرباط"، وذلك بغية "إعطاء صورة لا تعكس ما يحدث في الميدان" للرأي العام الوطني والدولي، وتوظيف جملة "خطاب يدعو إلى العنف" لوصف حراك الريف ومطالبه من طرف أعلى ممثل "للداخلية" في الريف تسعى من خلاله "الدولة المغربية" تمهيد لأرضية تنفيذ "سياسات جديدة" وستكون "خطيرة على المنطقة وأهلها"، فجملة "الدعوة للعنف" لا تنتمي إلى قاموس تصريح مسؤول ينفذ سياسة مدنية بل هي جملة من قاموس مسؤول "أمني" و"عسكري" يدرج ضمنيا منطقة الريف "كمنطقة توتر" يتطلب التعامل معها بسياسات إستثنائية وبالطرق المشروعة وغير المشروعة التي تراها ناجعة لحفظ توازناتها السياسية.
وهذا ما يحاول المخزن فعله، وموقف "والي الجهة" هو حالة إستباقية لتبرير أي تعامل من السلطة تجاه الشارع المحتج بشكل سلمي وحضاري، موقف موجه بالدرجة الأولي للمنتظم الدولي، التي يتساءل في البرلمانات الأوربية بالخصوص عن "الاوضاع المزرية لحقوق الإنسان بالريف بعد الحراك الشعبي" كما تتساءل المنظمات غير الحكومية عن ذلك في المحافل الحقوقية الدولية.
وكأن "وزارة الداخلية" من خلال تصريح اليعقوبي تريد أن تقدم جوابا على "إنتهاكاتها لحقوق الإنسان" بالريف وتبرر قمع المحتجين وحصار تظاهراتهم السلمية بل والأكثر من ذلك إستعمال "شبيحة السلطة" تحمل "الرايات المغربية" و"الحجارة" و"الأسلحة البيضاء" و"صور الملك".. كبلطجية لمهاجمة للمتظاهرين السلمين العزل، وتحت أعين السلطة دون ادنى تحرك للقيام بواجبها الذي يتمثل في حماية أمن الناس وحياتهم من أي تهديد أو إنتهاك. وخاص بعدما وثق النشطاء فيديوهات وصور تعود لرجال السلطة "قائد أيث بوفراح" ينتهكون حياة المواطنين ويهددون سلامتهم الجسدية بالضرب والرفس بجانب "البلطجية" وهي الفيديوهات إستطاع النشطاء في أوروبا في لجان الدعم إيصالها الى المنظمات غير الحكومية والممثلين في البرلمانات الأوربية. لذلك يحاول المخزن اليوم بعد فوات الأوان تبرير أخطاء السلطة بموقف رسمي "لا علاقة له من حيث الصحة في أرض الواقع".
الحراك الشعبي منذ بدايته إختار التظاهر السلمي أسلوبا ومبدأ في الدفاع عن مطالب الساكنة وحقوقها، وبذات الرقي في الأشكال وحضارتها إستطاع الحراك الشعبي بالريف أن يصل إلى العالمية، حيث توقفت عنده عدة منابر إعلامية دولية.
والحراك منذ بدايته قبل ستة أشهر يؤكد على المطالب الإجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.. بخطاب سلمي حضاري، بل وإن صح التعبير بخطاب "مواطناتي" (خطاب المواطنة) واعي بحقوقه وواجباته.. ولم يسجل يوما أحداث شغب أو عنف.. إلا عندما تتدخل "السلطة" بمختلف آلياتها القمعية لجر الحراك السلمي وتحريفه من مساره وبهدف كسب "شرعية" التدخل ضد الحراك بغية "الحفاظ على الأمن" لكن عكس ذلك ما كان يحدث في الواقع، حيث عندما لا تتدخل السلطة ضد الحراك بالحصار والقمع.. كانت المسيرات تمر في جو سلمي حضاري راقي يعمل فيه النشطاء والناشطات على حماية الاملاك والمؤسسات العامة والخاصة. وثبت أن اي تدخل للسلطة يكرس "إنفلاتات أمنية" بل وتساهم في تأجيج التوتر.
إن تصريح اليعقوبي، ما يمكن أن نستخلصه منه وهذا هو الأهم بالنسبة للنشطاء في الأيام القادمة.. تصريح يؤكد بشكل رسمي "أن الدولة المغربية ليس لها أي إرادة سياسية حقيقية للاستجابة لمطالب ساكنة الريف المنتفضة منذ أكثر من ستة أشهر" من أجل الكرامة والعيش الكريم وحق الصحة والشغل والتعلم... كما يؤكد بشكل رسمي على "إستمرار المقاربة الأمنية والعسكرية تجاه مطالب الساكنة" وتغييب فتح أي حوار جاد ومسؤول مع الحراك لإيجاد حلولا لمطالبه" مما يعني تغييب المقاربة التنموية التي تطالب بها ساكنة الريف على مختلف المستويات.
الآن واليوم.. يجب على جل الأحرار والحرائر أن يلتقطوا رسائل الدولة المخزنية وحل شفراتها السياسية وأبعادها المستقبلية وانعكاساتها على أهداف الحراك التي ليس هناك أي ارادة لتحقيقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق