أكد بلال آغ شريف، الأمين العام لـ «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» أن منطقة الساحل لن تنعم بالأمن والاستقرار قبل حل قضية «الأزواد» واعتبر أن المستعمر السابق فرنسا، والتي تدخلت في المنطقة في شمال مالي بالذات بدعوى محاربة الإرهاب، تتعامل مع قضية «الأزواد» بمنظار الحكومة المالية في باماكو مع أن القضية «الأزوادية» مرتبطة بقضية تصفية الاستعمار.
وأشار إلى أن عن فشل السياسة الأمنية في منطقة أزواد أدى «إلى تنامي الجماعات الإرهابية وتنظيمها لنفسها واحتلالها لمناطق جديدة ما كانت توجد فيها، ومن هذه المجموعات من يبايع «داعش»، ومنهم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي توحدت في إطارها مؤخرا عدة تنظيمات».
بلال آغ شريف، الذي يتحرك وهو في عقده الرابع، ككهل متمرس في حقل من الألغام والتجاذبات الإقليمية المعقدة، متنقلاً بملف شعبه بين العواصم، كان لـ «القدس العربي» مع هذا اللقاء في نواكشوط، وكانت هذه الإجابات، على أسئلتنا، بعربية فصيحة ممزوجة بلكنة طوارقية أصيلة:
○ لنبدأ بالسؤال عن اتفاق المصالحة الموقع في الجزائر منتصف 2015 إلى أين وصل هذا الاتفاق؟
• اتفاقية السلام، كما تتذكرون، تم توقيعها بالجزائر من قبل الحكومة المالية والحركات الموالية لحكومة باماكو يوم 15 أيار/ مايو 2015 في حين تحفظت تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية على التوقيع عليها بسبب ملاحظات جوهرية داخل نصها، ولم يتم التوقيع عليها من قبل تنسيقيتنا، إلا يوم 20 يونيو 2015 بعد مباحثات طويلة بين التنسيقية والوساطة الدولية وبعد أن ألحقت بالاتفاقية، وثيقة إضافية تأخذ بعين الاعتبار بعض الملاحظات التي اشترطناها وليس كلها، وأصبحت هذه الوثيقة جزءً لا يتجزأ من الاتفاقية الأصلية.
الاتفاقية تنص على أمور بينها القيام، بعد توقيع الاتفاق بثلاثة أشهر، بتنصيب الإدارة الانتقالية في مختلف ولايات إقليم ازواد شمال مالي وهي خمس ولايات (كيدال وغاو وتمبكتو وميناكا وتاودينيت) لكن هذا التنصيب لم يتم إلا يوم العشرين من شهر إبريل 2017، بعد أن كان المفترض تنصيب الإدارة فيها بعد ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاقية.
ولا شك أنكم لاحظتم الفاصل الزمني الكبير بين ما حددته الاتفاقية وما نفذ منها على الأرض، مع أن الإدارة الانتقالية لا تعتبر أمرا أساسيا فهي مجرد بداية لإجراءات بناء الثقة التي تسبق تطبيق الاتفاق.
النقطة الأخرى الخاصة بتطبيق اتفاقية الجزائر والتي لم تقطع فيها أية خطوة، هي تشكيل وحدات أمنية مشتركة لتأمين الإدارة الانتقالية وبسط الأمن في المرحلة الانتقالية لأنه لا وجود لجيش متفق عليه يتولى ذلك؛ فالجيش المالي لا يثق فيه الأزواديون وجيش الحركات الأزوادية لا يعترف به الجيش الحكومي.
وتنص اتفاقية الجزائر على أن الجيش المشترك مكلف بتأمين المرحلة الانتقالية على مستوى الولايات الأزوادية الخمس، ولحد الساحة لم تشكل هذه الوحدات إلا في ولاية غاوه وحدها التي تعرضت مع ذلك، لهجوم إرهابي كبير في يناير/ كانون الثاني 2017 مات فيه حوالي خمسين من أفراد الوحدة المكونة من حوالي 600 شخص وجرح أكثر من مئة من افرادها. أما بقية الوحدات العسكرية المشتركة المقررة في الاتفاقية فلم تشكل حتى الآن.
○ هل قُطعت خطوات ملموسة في الجانب السياسي من الاتفاقية؟
• على المستوى السياسي لم ينجز أي شيء وهذا ما أعاق ويعيق تطبيق الاتفاقية. فحتى الآن لم يتم التفاهم بين تنسيقية الحركات الأزوادية وحكومة مالي على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فالحكومة المالية الحالية مشكلة بنفس أسس تشكلتها قبل توقيع الاتفاقية، وتنسيقية الحركات الأزوادية ليست مشتركة في هذه الحكومة.
وكنا اشترطنا للمشاركة في الحكومة، أن نتفق على صيغة واضحة لمشاركة السلطة بين الشمال والجنوب، لكن الحكومة المالية لم تلتزم حتى الآن بهذا الشرط.
كل هذا جعل اتفاقية الجزائر تراوح مكانها لأن نقاطها الأساسية لم يتم الشروع حتى الآن في تنفيذها.
وعلى المستوى الأمني كذلك هناك تدهور كبير للوضع بعد توقيع الاتفاقية، ويعود ذلك لثلاثة أسباب الأول هو أنه حتى الآن بعد توقيع الاتفاق، لم يشرع في الدخول في إجراءات بناء الثقة، والثاني غياب أي اتصالات حقيقية بين الجيش المالي والقوات التابعة للحركات الأزوادية في الميدان، والسبب الثالث تشجيع حكومة باماكو لقيام حركات جديدة انفصالية عن الحركة الأم، وقد نتج عن هذا التشجيع استحداث أطراف جديدة ليس لها موقع في الاتفاقية وهي موجودة على الأرض لكن خارج مسار الاتفاقية؛ وحكومة باماكو بهذا التشجيع إنما تطبق سياسة «فرق تسد» لتسحب مصداقية الحركات الأم الموقعة على الاتفاقية.
لكن على حكومة باماكو أن تعرف أن هذا لن يغير من الواقع شيئا، فلو قسمت الحركات إلى مئات الفصائل فالقضية الأزوادية ستظل قائمة كما هي بدون تغيير.
الحركات الجهادية المسلحة ومبايعة تنظيم «الدولة»
○ هل من توضيحات عن تنامي الحركات الجهادية المسلحة في وضع معقد كهذا؟
• الوضع الأمني متدهور للغاية وهو ما يتجلى في تنامي الجماعات الإرهابية وتنظيمها لنفسها واحتلالها لمناطق جديدة ما كانت توجد فيها، ومن هذه المجموعات من يبايع «داعش»، ومنهم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي توحدت في إطارها مؤخرا عدة تنظيمات… كل هذا ناتج بشكل أساس عن فشل السياسة الأمنية في منطقة ازواد.
وأنا أؤكد أن التهديد الأمني الذي نشاهده كل يوم ناتج عن فشل التسوية السياسية في إقليم أزواد فمحاربة الإرهاب بالشكل المطبق اليوم في إقليم أزواد فاشلة لأنها تتجاهل السكان وتتجاهل الحركات الوطنية الموجودة على الأرض وهو ما لم يعط نتيجة في الحقيقة وقد تستمر الحرب ضد الإرهاب الى ما لا نهاية.
ولن تكون لمحاربة الإرهاب أية نتيجة قبل حصول وضعية مستقرة لإقليم ازواد تعطي للحركات الأزوادية القدرة العسكرية والإمكانيات اللازمة لفرض الأمن في المنطقة الأزوادية فهذا هو الخيار الوحيد الموجود اليوم أمام المجموعة الدولية وأمام دول الإقليم وأمام الحكومة المالية.
فلا بد من الاعتماد على الجيش التابع للحركات الموجودة في الميدان أي الحركة الوطنية والحركات المنضوية في إطار التنسيقية وبقية الأزواديين الغيورين على أرضهم لان مسئولية التأمين مسؤولية أساسية لدى الأزودايين لأنهم هم من يعيشون على الأرض، فلا بد من وضعية قانونية وسياسية لتمكين هؤلاء من القيام بهذه المهمة ولا يمكنهم أن يتولوا مهام الأمن وهم مجهولون ولا يمكن ان يقوموا بها نيابة عن الآخرين لكن يقومون بها بأنفسهم ولأنفسهم بدعم إقليمي ودولي في إطار تسوية سياسية واضحة ومستمرة.
○ وما ذا عن انتفاضة قبيلة «الفلان» وانضمام شبابها للتنظيمات الجهادية؟
• اليوم الوضع الأمني في مالي وضع خطير للغاية فقد وصل التهديد الإرهابي إلى وسط مالي أي لمنطقة «موبتي»، وهذا كله بسبب الأخطاء التي ارتكبها الجيش المالي في منطقة الوسط ضد «الفلان» بشكل خاص وبسبب تجييش المليشيات المحلية ضد قومية «الفلان» الأمر الذي أرغم شبابها على الانخراط في الحركات الجهادية المسلحة في المنطقة.
وتعلمون أن حركة «ماسينا» الفلانية دخلت في التحالف الجديد «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، نتيجة الأخطاء التي ارتكبها الجيش المالي وبعض أطراف الحكومة المالية عبر تهميشهم واعتبارهم جميعا إرهابيين بدون مبررات وتأسيس ميلشيات من قومية «البمبره» ضد «الفلان» وهناك أيضا توظيف للميلشيا المحلية من العرب والطوارق والسونغاي في إقليم ازواد ضد الحركات الوطنية الأزوادية.. هذا هو الذي يهدد مالي أكثر من أي شيء آخر فهو اتجاه عرقي يستفيد منه التطرف ويغذي حركات التطرف.
○ هل شاركتم في مؤتمر الوفاق الوطني الذي عقد في باماكو مؤخرا؟
• نعم عقد في الفترة الأخيرة في باماكو مؤتمر من يوم 27 آذار/ مارس إلى يوم 2 أبريل/ نيسان سمي مؤتمر الوفاق الوطني، وهذا المؤتمر مذكور في الاتفاقية وهو خاص بمعالجة المسائل الجوهرية التي لم تعالج في الاتفاقية.
وقد حضرته تنسيقية الحركات الأزوادية بعد أن قاطعت المؤتمر في البداية وأكدت أنه يعقد في وقت غير مناسب.
وشاركت تنسيقيتنا بعد وعود من المجتمع الدولي بأن المؤتمر سيأخذ في الاعتبار مشاغلنا وتحدث المؤتمر عن قضية «أزواد» في قلب باماكو أي ناقش الجميع قضيتنا، فقد ناقشها «البمبرة» والجنوبيون والشماليون ولكن الاجتماع انتهى دون الوصول لأي حل، واعترف الرئيس المالي نفسه بأن قضية ازواد لم يوجد لها حل، وهكذا بقيت قضية ازواد كما كانت عليه مطروحة أمام حكومة مالي وأمام المجتمع الدولي.
الوساطة الدولية والضغط علة الحركات «الأزاودية»
○ وهل قامت لجنة المتابعة التي نصت عليها اتفاقية الجزائر بمهمتها حسب رأيكم؟ وأين هي الوساطة الدولية؟
• نعم هناك الوساطة الدولية متعددة الأطراف وتضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة «الإكواس»، ودول الجوار موريتانيا والجزائر والنيجر واتشاد وبوركينا فاسو ونيجيريا.
لكن للأسف هذه الوساطة بذلت إبان المفاوضات مجهودات مضاعفة للضغط على الحركات الوطنية من أجل أن تقبل التوقيع على الاتفـاقية لكن بعد التوقيع على الاتفاقية اختفى الضغط وكان الاتفاق.
وقد تعاملت الوساطة الدولية بشكل غير متوازن حيث وضعت، مثلا، الدعم المالي كله في يد الحكومة المالية ليحرم الشعب الأزوادي وممثليه في الحركات من هذا الدعم.
وخلال مرحلة تحفظ التنسيقية على إمضاء الاتفاقية هناك أطراف لعبت دورا مهما بينها منظمة التعاون الإسلامي حيث قدم أمينها العام ضمانات كبيرة للتنسيقية بمتابعة توقيع الاتفاق لكن للأسف بعد التوقيع اختفى دور المنظمة.
ونحن نتمنى من منظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الوسيطة الأخرى أن تلعب دورها الأساسي الذي التزمت به من خلال متابعة تنفيذ الاتفاقية بنفس القوة التي كانت تضغط بها خلال مرحلة المفاوضات.
وهناك بالفعل لجنة متابعة لاتفاقية الجزائر تضم الأطراف الموقعة وهي الحكومة المالية والحركات وأطراف الوساطة الدولية، وتجتمع هذه اللجنة شهريا لتقييم الاتفاق وهي بالفعل إطار قائم للحوار ولدينا كذلك الاتصالات المباشرة مع الحكومة.
لكن الأمر المؤسف هو أن لجنة المتابعة، بدلا من أن تحرك وتدفع نحو التطبيق الكامل للاتفاقية، تحولت إلى لجنة لتحرير المحاضر ولم تمارس قط الضغوطات الحقيقية للتعجيل بتطبيق الاتفاقية.
لقد آن الأوان لتصبح الوساطة الدولية أكثر جدية وحزما في تطبيق الاتفاقية لأن الاتفاقية تنص على أن المرحلة الانتقالية تنتهي بعد 24 شهرا من التوقيع ونحن اليوم في الشهر العشرين من تطبيق الاتفاق والأمور المقررة في المرحلة الانتقالية لم يحقق منها شيء.
ونحن نرى أنه من الضروري أن يقوم المعنيون والمهتمون بملف أزواد بمراجعة الملف بروج جادة لتحقيق الحل السياسي المتمثل في حصولنا في الشمال على حكم ذاتي في إطار جمهورية مالي.
وإذا تحقق الحل السياسي فإن ذلك سيسهل أمورا كثيرة في مقدمتها مسألة التهديد الأمني اليوم الذي يهدد المنطقة والذي لا تمكن مواجهته إلا من خلال جيش محلي وأمن محلي في إطار الدولة المركزية يأخذ في الاعتبار خصوصية منطقة ازواد والتحديات التي تواجهها المنطقة.
○ كيف تعاملت وتتعامل الحكومة الفرنسية مع قضيتكم؟
• نحن نعتقد أن لفرنسا دورا كبيرا في هذا الشأن ففرنسا لها جيش كبير جدا في منطقة الساحل وبخاصة في عملية «برخان» في مالي، وأنا أؤكد، بكل أسف، أن تعامل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند غير موفق في قضية أزواد.
فقد تعامل فرانسوا هولاند مع قضية ازواد من منظار حكومة باماكو؛ نحن نتمنى من الرئيس الفرنسي الجديد (أجري الحوار قبل انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا) أن ينظر إلى مسألة أزواد في إطارها التاريخي وسياقها الحقيقي بوصفها مشكلة إرث استعماري تركه المستعمر الفرنسي ولم يحل حتى الآن ولا يمكن أن يحل أبدا بالاصطفاف مع باماكو بشكل مستمر، آن الأوان لتراجع فرنسا أخطاءها التي ارتكبتها في أرضنا خلال فترة الاستعمار.
المصدر: القدس جريدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق