سؤال لطالما طرح ولازال يطرح وسوف يبقى مطروحا إلى الأبد، هذا لأن غالبية الأجيال الحالية لا تحلل واقعها، ولم تستوعب بعد تاريخها، بل هنالك من لم يطلع عليه بعد !
– إن مجال الجنوب الشرقي غير معرف جغرافيا، بل هو شاسع ومنقسم مجاليا، هذا الأمر يصعّب على أي حراك اجتماعي أن يجد صداه في مناطق أخرى بسبب بعد المسافة أو غياب المواصلات وانقراض المؤسسات الاجتماعية التي كانت تجمع بين اللفوف القبيلة.
– مجال الجنوب الشرقي لا يتوفر على نخبة ممثلة للساكنة، هذا الأمر يجعل من المنتخبين والمسؤولين الإداريين (الدولة) هم الفاعلين الأساسيين في الميدان، بالرغم من أن بعض المحاولات مؤخرا بدأت في الظهور على شكل لجان مكوّنة من أفراد من مختلف مناطق الجنوب الشرقي الأوسط. إلا أنها تبقى بعيدة عن الالتحام بالفئات الاجتماعية العريضة، لأنها تحمل خطابا احتجاجيا عالما (مثقفا)، إضافة إلى بعدهم عن التنظيمات الاجتماعية الأساسية للساكنة الأصلية بهذا المجال. كونهم غير ممثلين أسريا بمختلف هذه المجالات.
– مجال الجنوب الشرقي يعرف شرخا كبيرا بين الفئات العمرية، والاجتماعية: بين الأبناء والآباء، بين التلاميذ والطلبة، بين العاملين والعاطلين عن العمل، بين المتحزبين والراديكاليين، بين النساء والرجال، بين الأصليين والوافدين، بين المناطق، بين الأغنياء والفقراء … هذا المشكل يتم تجاوزه أحيانا من خلال تلاحم الفئات المثقفة (الطلبة، الخرّيجون، الموظفون…) من أجل تكوين كثلة يلتف حولها الجميع. أي أن أهم المبادرات تأتي من طرف الطلبة أولا. هؤلاء الذين لا يفهمون الميدان بشكل كلي ! ولا يقدرون على ترك التزاماتهم التي يفرضها عليهم الواقع من أجل أسرهم التي ترفض تحركاتهم قبل أي أحد آخر!
– مجال الجنوب الشرقي في طور مراكمة تجارب حديثة، فرغم ثقل التاريخ والأحداث الكبيرة التي شهدها مجال “أسامر” قبل وبعد الاحتلال الفرنسي للمنطقة، فالفئات العريضة من المجتمع اليوم والتي تتكون في الغالب من الشباب لم تعش مثل هذه المعاناة إلا في ما قيل لهم. لذلك فالصدمة المترتبة عن معايشة مثل هذه الأحداث كفيلة باستثارتهم أكثر من الأحداث التاريخية التي همشتها الدولة وتناساها المجتمع.
– مجال الجنوب الشرقي تعرض لعدة حملات تهجيرية قصريّة، ابتداء من الستّينيات إلى غاية اليوم. حملات كانت مباشرة من خلال تصدير اليد العاملة إلى الخارج، وأخرى غير مباشرة أتت من خلال الهجرات الدراسية والبحث عن العمل في المدن الكبيرة وقسوة الطبيعة … إلخ.
– مجال الجنوب الشرقي لم يحتفض بذاكرته السياسية، بشكل يسمح للأجيال اللاحقة الاطلاع عليها، وذلك راجع بالأساس إلى غياب مؤسسات بحث وجامعات ومعاهد دراسية، تسمح بإتاحة الفرصة للطلبة والتلاميذ والباحثين بشكل عام الإطلاع على تاريخهم بشكل مباشر مقارنة مع ما يطلعون عليه في بعض المألفات من هنا وهناك. ويعتبر بعد المؤسسات الجامعية أكبر عائق أمام نزوح الكثيرين عن خوض غمار البحث حول المنطقة.
– مجال الجنوب الشرقي، مجال فقير جدا، يفرض فيه نمط الهيمنة الأبوية نفسه بشدة، فمعيل الأسرة هو المتحكم في كل شيء، وهو الذي يفرض رغباته على كل من يريد أن يستفيد من رزقه. أي العيش مقابل الصمت. الشيء الذي يجعل من أولئك الذين يخرجون للتظاهر في الشارع أمام أعين الآخرين خارجين عن الطوع وعن النظام الاجتماعي الأبوي المحافظ.
– مجال الجنوب الشرقي، فضاء للتناقضات، تعيش فيه الساكنة نوعا من الراحة باعتبارهم منحذرين من تاريخ اقتصادي وجغرافي قاحل وشديد الصعوبة، هذا الأمر الذي يمنحهم الكثير من القناعة بالأوضاع التي يعيشونها، فكل شيء موجود وكل شيء متوفر، وكل خصاص هو ناتج عن تأخر في الإنجاز فقط !
– مجال الجنوب الشرقي، لا يتوفر على مناطق استراتيجية يمكنها أن تشكل عائقا أمام الدولة، باستثناء منجم إميضر الذي يعتقد الجميع أن ثرواتهم (ملك لجميع المغاربة) وماذام المغاربة ساكتين عن هذا الوضع، فأشد الأمور قساوة على الناس في العالم، إذا عمّت .. هنَت ! لهذا فأي حراك احتجاجي لن يفضي لأي شيء مادام المسؤولون مرتاحين حيال نتائجه، السلمية. والتي لا تزعج مصالح أحد.
هذا كله والعديد من الأمور الأخرى الأكثر عمقا وذلالة، يجيبنا ولو بشكل مبسط على السؤال المطروح أعلاه، لماذا لا ينتفظ الجنوب الشرقي ؟ على غرار المناطق الأخرى (الريف مثلا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق