هو علي بن عمار العياري المولود في 1805 بمكثر والمتوفى سنة 1884 وهو ينتسب إلى عرش الظهارة المتفرع عن قبيلة أولاد عيار الامازيغية أصيلة جهة مكثر من ولاية سليانة حاليا ولكنها متواجدة في عدة جهات من البلاد. وكان مولد علي بن عمار بالتحديد في مشيخة الباز وكان منزله في المكان المسمى (دير علي بن عمار).
فهو ينحدر من عائلة عريقة وعاش وتربى تربية أبناء الأعيان والميسورين من الفلاحين بالجهة وكانوا مولعين بالفروسية والصيد، وبحكم نشأته ومكانة عائلته في الشمال الغربي لم يكن غريبا أن يتولى وظيفة عامل على قبيلته الظهارة وقد تجددت له تلك الخطة عديد المرات كما يبينه الأمر المؤرخ في شوال 1286 هـ 1869 م.
عرف عن المقاوم الامازيغي علي بن عمار مناصرته للحق فقد تم سجنه من طرف الباي وكل ما يعرف عن تلك الحادثة أن الباي أطلق سراحه في أواخر جويلية من سنة 1881 وباقي تفاصيلها مجهولة لكن المعروف أن قبيلة أولاد عيار من القبايل التي دايمة التمرد على البايات ، وأرسله لتهدئة أولاد عيار الثائرين في وجه الاحتلال ولكن علي بن عمار الغيور على بلاده وقبيلته أثار حمية أهله وشجعهم على الوقوف في وجه المستعمر ومقاومته ومخالفة أوامر الباي وتوصياته وتزعم بنفسه المقاومة...
بطولاته:
ولما وصل إلى أهله جمعهم ونادى فيهم : بأن الباي خائن باع البلاد للفرنسيين لأنه رضي بحكم أعداء الوطن والدين، وبعث فيهم الحمية وشجعهم على الجهاد في سبيل الوطن. وتزعم قبائل أولاد عيار وأولاد عون وتحدى حامية الكاف الفرنسية. وفي يوم 30 سبتمبر 1881 أغارت فرسانه على محطة الأرتال بوادي الزرقاء بجهة باجة فقضت على من فيها من الأوروبيين وواصل سيره حتى اصطدم مع الجيش الفرنسي في كدية الصيد (بعين طنقة) من ولاية باجة حاليا وحدثت معارك عنيفة بين الطرفين استعمل فيها الجيش الفرنسي المدفعية ودافع أتباع علي بن عمار بأسلحة تقليدية وعتيقة، وبعد صراع مرير كانت الغلبة للسلاح الحديث، فتفرقت جموع المجاهدين وأصيب علي بن عمار في يده فانكسرت وبقيت معلقة وأعاقته عن الحركة ولما وصل إلى أهله بمكثر طلب فأسا ووضع يده المكسورة على خشبة صلبة وضربها بالفأس ففصلت عن جسده من موضع الكسر وضمدها ورجع للجهاد والمقاومة.
ولم تثنه حالته تلك ولا قوة العدو فأعاد الكرة في منتصف شهر أكتوبر سنة 1881 فجمع أنصاره من جديد حول مدينة الكاف وأغار على أطرافها متربصا لقوات العدو المتحصنة بالقلعة ومحاولا استدراجها حتى تخرج إليه في السهول والجبال المجاورة إلى حدود مكثر وفعلا التحقت به القوات الفرنسية إلى هناك ودارت بينهما معركته الأخيرة في منطقة الدير بأولاد عيار، ودخلت جيوشهم مكثر في يوم 24 أكتوبر سنة 1881 وطاردوا المقاوم علي بن عمار الذي غيّر وجهته نحو الجنوب التونسي يائسا وذلك يوم 20 نوفمبر سنة 1881 .
هاجر إلى طرابلس لمّا يئس علي بن عمار من الوضع في البلاد التونسية واشتدت محاصرة المقاومين من طرف قوات الاستعمار الفرنسي وتباين موازين القوى من حيث العدة والعتاد هاجر صحبة ثلاثين من أتباعه ومنهم ابنه بلقاسم نحو طرابلس والتحق به القائد علي بن خليفة النفاتي أصيل شنني من ولاية قابس حيث سبقهم أعداد كبيرة من التونسيين الذين هاجروا من قسوة المستعمر الفرنسي. وفي أواخر سنة 1882 رجع علي بن عمار الى تونس ومن ثم الى مسقط رأسه وكانت قد عرضت عليه السلط الفرنسية الرجوع الى وظيفته عاملا على أولاد عيار، ولكنه امتنع معتذرا بكبر سنه وتدهور صحته ولكنه في الحقيقة كان يتألم في داخله ومنكسر البال...
فاعتزل الناس في دهليز بمنزله لا يكاد يبارحه ويتصل في ذلك المكان بأصدقائه وأقاربه وكان حريصا على أن يبقى جواده بمقربة منه في الدهليز لشدة تعلقه ومحبته له ونسجت الذاكرة الشعبية حكايات مثيرة حول تلك العلاقة.
فاعتزل الناس في دهليز بمنزله لا يكاد يبارحه ويتصل في ذلك المكان بأصدقائه وأقاربه وكان حريصا على أن يبقى جواده بمقربة منه في الدهليز لشدة تعلقه ومحبته له ونسجت الذاكرة الشعبية حكايات مثيرة حول تلك العلاقة.
وبقيت السلطات الفرنسية حذرة في التعامل معه فلم تعد له أملاكه كما فعلت مع العديد من المقاومين الآخرين وذلك خوفا من أن يستعيد قوته ومكانته وبعد سنة من رجوعه توفي علي بن عمار العياري مأسوفا عليه من كافة أهله وعرشه وذلك في أواخر سنة 1883 ودفن بمقبرة (الشواربية) من مشيخة باز بمكثر ودفن معه في قبره كساؤه الحربي بوصية منه.
وللتأكيد فإن المجاهد الامازيغي التونسي علي بن عمار كان مثال الإخلاص لوطنه وللجهاد في سبيل الحرية والعزة والكرامة وهو جدير بأن تطلق بلدية مكثر اسمه على احد شوارعها وينصب له تمثال يخلده للأجيال التي من بعده...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق